ما إن كان يذكر اسم الجوف الا وذكر معها كل ما يخافه الانسان اليمني من القتل والتقطع والنهب وغياب الدولة وقد رسخ الاعلام هذه القناعة لدى الكثير من الناس، لذلك فمدينة (الحزم ) عاصمة محافظ الجوف هي آخر مكان كان الكثير من اليمنيين يفكرون بزيارتها الا للضرورة القصوى ومن عنده سيارة خاصة يتم توجيه النصح له بعدم ركوبها لانه قد لا يعود بها ، هكذا كانت الجوف في فكر ابناء اليمن كما صورها وغذاها الإعلام .
فتعالوا بنا الان لنرى (الحزم )في عام 2018م ، لقد كانت نقطة التحول في الجوف عامة وفي عاصمتها (الحزم )على وجه الخصوص كما يقول ابناء الجوف هي في شهر ثمانية من عام 2016م عندما صدر قرار جمهوري بتعيين الشيخ (أمين العكيمي ) محافظا للجوف ،وقبل يومين جمعني مقيل مع احد الاصدقاء كان قادما من الجوف حيث استمر هناك ما يقرب من ثلاثة اسابيع وهو اصلا كان مدرسا هناك من قبل وغادر الجوف عام 2013م .فقلت له كيف وجدت (الحزم )؟ فقال لي شي غير معقول (حزم )اليوم تختلف عن (حزم )الامس بمقدار (180)درجة فلم اصدق نفسي في اول وهلة اني في مدينة (الحزم) ،لقد تغير فيها كل شي .
المدينة التي كان سكانها اربعين الف نسمة اليوم يقتربون من مأتين الف من كل انحاء الجمهورية ,المدينة التي كانت تنام في الساعات الأولى من الليل ولا تجد فيها (محل تجاري )فاتحا ابوابه على قلتها الا نادرا ، اليوم الاسواق مكتظة بالناس حتى الواحدة بعد منتصف الليل بفضل التواجد الأمني وهيبة الدولة ،محلات الذهب توجد لأول مرة في المدينة ومحلات الصرافة الرسمية كذلك، كاميرات المراقبة الحكومية مثبتة في اكثر الشوارع والازقة ومرتبطة بغرفة العمليات الأمنية وتعمل على مدار الساعة، الدوريات الامنية لا تنقطع في الشوارع وفي محيط المدينة وصولا الى اليتمة .
الاراضي ارتفع سعرها بشكل كبير جدا التوسع العمراني فوق المتوقع وأصبحت المباني الطينية التي كانت هي السائدة في المدينة اصبحت شبه مختفية وحل بديلا عنها المباني المسلحة الحديثة وفق تخطيط منظم ، ويتم منع بيع وشراء اي قطعة ارض مالم تكن مخططة وفقا لما اعتمدته السلطة المحلية .
تم حجز مساحة ثلاثة كيلو متر من اجل انشاء (مطار) الجوف ، تم تأهيل وتجهيز مستشفى الجوف العام ليصبح من أفضل المستشفيات في الجمهورية ، جوامع جديدة يتم انشائها وافتتاح مدارس .. فتح فرع لكلية التربية والعلوم الإنسانية والتطبيقية جامعة إقليم سبأ ، شوارع جديدة تم فتحها وتعبيدها داخل المدينة بطريقة منظمة وفق تخطيط هندسي ، خطوط طويلة وجديدة يتم شقها الان وتعبيدها لتربطهم بمحافظة مارب وحضرموت .
الكهرباء تشتغل على مدار الساعة ويتم العمل الآن من اجل ربط الجوف بالمحطة الغازية في مارب ، محطات الوقود منتشرة في المدينة ، الدبة البترول مابين 3700 الى 4000الف ولا تزيد عن ذلك ،اسطوانة الغاز من 1700 الى 2000ريال ولا يزيد .
أما أكبر المفاجئات لي يا دكتور فهي عند دخولنا حدود محافظة الجوف فقال صديقي ابن الجوف الذي كان يقود السيارة الآن سوف اسمعك صوت (اذاعة )الجوف فاعتقدت انه يسخر مني ولكنه حرك مذياع السيارة حتى سمعت فعلا اذاعة الجوف فالتفت صديقي نحوي وقال انها اذاعة حكومية (fm) تصل الى اطراف المحافظات المجاورة وجاري تطويرها وقد تم افتتاحها قبل ثمانية اشهر تقريبا في عهد (مهاتير )الجوف ،فقلت له من هو (مهاتير )الجوف ؟فرد علي بالقول انه المحافظ الشيخ ( أمين العكيمي ) فبعض الشباب هنا يطلقون عليه هذا اللقب فهو يعمل بكل جهده من اجل بناء (الجوف )الجديد فمعظم المشاريع هي بمجهود ذاتي ومتابعة حثيثة من هذا الرجل ،استمر صديقي يحدثني عن زيارته للجوف وماذا شاهد هناك وانا استمع اليه وانظر الى وجهه مشدوها كاني اتابع فيلما مثيرا ، فقال لي لا تندهش لقد عشت بينهم مايقارب السبع سنوات والله ما وجدت اصدق واوفى منهم. ولكن الاعلام شوه بهم كثيرا ، وجدت اغلب المحلات التجارية من خارج محافظة الجوف من شبوة ومن حضرموت ومن تعز واب وعمران وذمار وغيرها .
هل تعلم أن هناك من ابناء المحافظات الجنوبية؟
يسكنون الجوف من الستينات وهم الذين نزحوا بعد صراع جبهة التحرير والجبهة القومية ثم تتابعوا بعدها ؟ وبينما كان صديقي يحدثني كنت افكر في (عدن ) كيف اصبحت؟ كل يوم جريمة وكل يوم سطو حتى على البنوك وعلى مرتبات الموظفين .
اعتقالات وسجون ومداهمات وانا هنا لا اقارن (عدن )با (الحزم )فلا مقارنة بين مدينة يحتضنها البحر العربي وبها ميناء كان الثاني في العالم وبها مطار كان ترتيبه كذلك وبين مدينة تزاحمها رمال الصحراء من كل مكان ولكني اقارن بين من تولو المسؤلية هناوهناك .لقد سقط اصحاب الشعارات والمسيرات الثورية والخطب الرنانة امام الرجل (البدوي)ابن الصحراء ورفاقه المخلصين ،الاولون عطلوا مظاهر الحياة في مدينة كانت ذات يوم درة التاج البريطاني وهؤلاء يلاحقون الزمن من اجل انعاش الحياة في مدينة كانت تعيش عصر القرون الاولى .. انها الارادة الصادقة للعمل ؟فسلام الله على ابناء ورجال الجوف على اختلاف مشاربهم فقد اثبتوا انهم يتوقون للنظام والقانون وللحياة ولاغرابة في ذلك فهم ورثة حضارة الدولة المعينية ذات التاريخ المجيد .